فصل: 69- وسئل فضيلة الشيخ لماذا كان التسمي بعبد الحارث من الشرك مع أن الله هو الحارث؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناهي اللفظية **


 65- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم قول فلان شهيد‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ الوجوب على ذلك أن الشهادة لأحد بأنه شهيد تكون وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تقيد بوصف مثل أن يقال كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن مات بالطاعون فهو شهيد ونحو ذلك، فهذا جائز كما جاءت به النصوص، لأنك تشهد بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونعنى بقولنا - جائز - أنه غير ممنوع وإن كانت الشهادة بذلك واجبة تصديقا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

الثاني‏:‏ أن تقيد الشهادة بشخص معين مثل أن تقول بعينه إنه شهيد، فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك وقد ترجم البخاري - رحمه الله - لهذا بقوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقال فلان شهيد‏)‏ قال في الفتح 90/6 ‏(‏أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي‏)‏ وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيدًا ولعله قد يكون أوقر رحالته، إلا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد ابن منصور وغيرهما من طريق محمد ابن سريرين عن أبي العجفاء عن عمر‏)‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ كلامه‏.‏

ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا أن علم له، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا والنية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى ذلك‏:‏ ‏(‏مثل المجاهد في سيبل الله، والله أعلم لمن يجاهد في سبيله‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يثعب دما اللون لون الدم، والريح ريح المسك‏)‏‏.‏ رواهما البخاري من حديث أبي هريرة‏.‏ ولكن من ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك، ولا نشهد له به ولا ننسي به الظن‏.‏ والرجاء مرتبة بين المرتبتين، ولكننا نعامله في الدنيا بأحكام الشهداء فإذا كان مقتولا في الجهاد في سبيل الله دفن بدمه في ثيابه من غير صلاة عليه، وإن كان من الشهداء الآخرين فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه‏.‏

ولأننا لو شهدنا لأحد بعينه أنه شهيد لزم من تلك الشهادة أن نشهد له بالجنة وهذا خلاف ما كان عليه أهل السنة فإنهم لا يشهدون بالجنة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ، بالوصف أو بالشخص، وذهب آخرون منهم إلى جواز الشهادة بذلك لمن اتفق الأمة على الثناء عليه وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى -‏.‏ وبهذا تبين أنه لا يجوز أن نشهد لشخص أنه شهيد إلا بنص أو اتفاق، ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك كما ثبت، وهذا كاف في منقبته، وعلمه عند خالقه - سبحانه وتعالى -‏.‏

 66- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن لقب ‏(‏شيخ الإسلام‏)‏ هل يجوز‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ لقب شيخ الإسلام عند الإطلاق لا يجوز أن يوصف به الشخص، لأنه لا يعصم أحد من الخطأ فيما يقول في الإسلام إلا الرسل‏.‏

أما إذا قصد بشيخ الإسلام أنه شيخ كبير وله قدم صدق في الإسلام فإنه لا بأس بوصف الشيخ به وتلقيبه به‏.‏

 67- وسئل ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة ‏(‏صدفة‏)‏‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفنا رسول الله صادفنا رسول الله ولكن لا يحضرني الآن حديث معين بهذا الخصوص‏.‏

والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو - سبحانه وتعالى - لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبدا، ولكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة، ولا حرج فيه، أما بالنسبة لأمر الله فهذا فعل ممتنع لا يجوز‏.‏

 68- سئل فضيلة الشيخ عن تسمية بعض الزهور بـ ‏(‏عباد الشمس لأنه يستقبل الشمس عند الشروق وعند الغروب‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ هذا لا يجوز لأن الأشجار لا تعبد الشمس، إنما تعبد الله - عز وجل - كما قال الله ـ تعالى ـ ‏:‏‏{‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وإنما يقال عبارة أخرى ليس فيها ذكر العبودية كمراقبة الشمس، ونحو ذلك من العبارات‏.‏

 69- وسئل فضيلة الشيخ لماذا كان التسمي بعبد الحارث من الشرك مع أن الله هو الحارث‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ التسمي بعبد الحارث فيه نسبة العبودية لغير الله - عز وجل - فإن الحارث هو الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏)‏كلكم حارث وكلكم همام‏(‏ فإذا أضاف الإنسان العبودية إلى المخلوق كان هذا نوعا من الشرك، لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، ولهذا لو سمي رجلا بهذا الاسم لوجب أن يغيره فيضاف إلى اسم الله - سبحانه وتعالى - أو يسمى باسم آخر غير مضاف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏)‏أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن‏(‏ وما أشتهر عند العامة من قولهم خير الأسماء ما حمد وعبد ونسبتهم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس ذلك بصحيح أي ليس نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، صحيحة فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا اللفظ وإنما ورد ‏)‏أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن‏(‏‏.‏

أما قول السائل في سؤاله ‏(‏مع أن الله هو الحارث‏)‏ فلا أعلم اسما لله تعالى بهذا اللفظ، وإنما يوصف - عز وجل - بأنه الزارع لا يسمى به كما في قوله - تعالى -‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ‏}‏ ‏[‏سورة الواقعة، الآيتان ‏(‏63- 64‏)‏‏]‏‏.‏

 70- سئل فضيلة الشيخ عن هذه العبارة‏:‏ ‏(‏العصمة لله وحده‏)‏، مع أن العصمة لابد فيها من عاصم‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ هذه العبارة قد يقولها من يقولها يريد بذلك أن كلام الله - عز وجل - وحكمه كله صواب، وليس فيه خطأ وهي بهذا المعنى صحيحة، لكن لفظها مستنكر ومستكره، لأنه كما قال السائل قد يوحي بأن هناك عاصما عصم الله - عز وجل - والله - سبحانه وتعالى - هو الخالق، وما سواء مخلوق، فالأولى أن لا يعبر الإنسان بمثل هذا التعبير، بل يقول الصواب في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 71- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن عبارة‏:‏ ‏(‏فال الله ولا فالك‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ هذا التعبير صحيح، لأن المراد الفأل الذي هو من الله، وهو أني أتفاءل بما قلت، هذا هو معنى العبارة، وهو معنى صحيح أن الإنسان يتمنى الفأل الكلمة الطيبة من الله - سبحانه وتعالى - دون أن يتفاءل بما يسمعه من هذا الشخص الذي تشاءم من كلامه‏.‏

 72- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن مصطلح ‏(‏فكر إسلامي‏)‏ و ‏(‏مفكر إسلامي‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ كلمة ‏(‏فكر إسلامي‏)‏ من الألفاظ التي يحذر عنها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر ‏.‏

أما ‏(‏مفكر إسلامي‏)‏ فلا أعلم فيه بأسا لأنه وصف للرجل المسلم والرجل المسلم يكون مفكرًا‏.‏

 73- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ جاء في الفتوى رقم ‏(‏72‏)‏ أن كلمة الفكر الإسلامي كلمة لا تجوز لأنها تعني أن الإسلام قد يكون عبارة عن أفكار قد تصح أو لا تصح وهكذا، بينما قلتم أن إطلاق كلمة ‏(‏المفكر الإسلامي‏)‏ تجوز لأن فكر الشخص يتغير وقد يكون صحيحا أو العكس، ولكن الأشخاص الذين يستخدمون مصطلح ‏(‏الفكر الإسلامي‏)‏ يقولون أننا نقصد فكر الأشخاص ولا نتكلم عن الإسلام ككل أو عن الشريعة الإسلامية بالتحديد فهل هذا المصطلح ‏(‏الفكر الإسلامي‏)‏ جائز بهذا التفسير أم لا وما هو الدليل‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال‏:‏ ‏(‏إنما أقضي نحو ما أسمع‏)‏ ونحن لا نحكم على الأفراد إلا بما يظهر منهم فإذا قيل ‏(‏الفكر الإسلامي‏)‏ فهذا يعني أن الإسلام فكر، وإذا كان القائل بهذا التعبير يريد فكر الرجل الإسلامي فليقل ‏(‏فكر الرجل الإسلامي‏)‏ أو ‏(‏المفكر الإسلامي‏)‏ وبدلا من أن نقول ‏(‏الفكر الإسلامي‏)‏ نقول‏(‏ الحكم الإسلامي‏)‏ لأن الإسلام حكم والقرآن الكريم إما خبر وإما حكم كما قال - تعالى -‏:‏ ‏{‏وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 115‏]‏‏.‏

 74- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن قول بعض الناس إذا شاهد من أسرف على نفسه بالذنوب‏:‏ ‏(‏فلان بعيد عن الهداية، أو عن الجنة، أو عن مغفرة الله‏)‏ فما حكم ذلك‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ هذا لا يجوز لانه من باب التألي على الله - عز وجل - وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان مسرفا على نفسه، وكان يمر به رجل آخر فيقول‏:‏ والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله - عز وجل - ‏(‏من ذا الذي يتألي على أن لا أغفر لفلان قد غفرت له، وأحبطت عملك‏)‏‏.‏ ولا يجوز للإنسان أن يستبعد رحمه الله - عز وجل ـ كم من إنسان قد بلغ من الكفر مبلغا عظيما، ثم هداه الله فصار من الأئمة الذين يهدون بأمر الله ـ عز وجل ـ والواجب على من قال ذلك أن يتوب إلى الله، حيث يندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود في المستقبل‏.‏

 75- وسئل فضيلته‏:‏ عن قول الإنسان إذا سئل عن شخص قد توفاه الله قريبا‏:‏ ‏(‏فلان ربنا افتكره‏)‏‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان مراده بذلك أن الله تذكر ثم أماته فهذه كلمة كفر، لأنه يقتضي أن الله - عز وجل - ينسى، والله - سبحانه وتعالى - لا ينسى، كما قال موسى، عليه الصلاة والسلام، لما سأله فرعون‏:‏ ‏{‏قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 51‏:‏ 52‏]‏‏.‏ فإذا كان هذا هو قصد المجيب وكان يعلم ويدري معنى ما يقول فهذا كفر‏.‏

أما إذا كان جاهلا ولا يدري ويريد بقوله‏:‏ ‏(‏أن الله افتكره‏)‏ يعني أخذه فقط فهذا لا يكفر، لكن يجب أن يظهر لسانه عن هذا الكلام، لأنه كلام موهم لنقص رب العالمين - عز وجل - ويجيب بقوله‏:‏ ‏(‏توفاه الله أو نحو ذلك‏)‏‏.‏

 76- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم التسمي بقاضي القضاة‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ قاضي القضاة بهذا المعنى الشامل العام لا يصلح إلا لله - عز وجل - فمن تسمي بذلك فقد جعل نفسه شريكا لله - عز وجل - فيما لا يستحقه إلا الله - عز وجل - وهو القاضي فوق كل قاضٍٍ

والحكم وإليه يرجع الحكم كله، وإن قيد بزمان أو مكان فهذا جائز، لكن الأفضل أن لا يفعل، لأنه قد يؤدي إلى الإعجاب بالنفس والغرور حتى لا يقبل الحق إذا خالف قوله، وإنما جاز هذا لأن قضاء الله لا يتقيد، فلا يكون فيه مشاركة لله - عز وجل - وذلك مثل قاضي قضاة العراق، أو قاضي قضاة الشام، أو قاضي قضاة عصره‏.‏

وأما إن قيد بفن من الفنون فبمقتضى التقيد يكون جائزا، لكن إن قيد بالفقه بأن قيل‏:‏ عالم العلماء في الفقه سواء قلنا بأن الفقه يشمل أصول الدين وفروعه على حد قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من يرد الله به خيرا يفقه في الدين‏)‏ أو قلنا بأن الفقه معرفة الأحكام الشرعية العملية كما هو المعروف عند الأصوليين صار فيه عموم واسع مقتضاه أن مرجع الناس كلهم في الشرع إليه فأنا أشك في جوازه والأولى التنزه عنه‏.‏ وكذلك إن قيد بقبيلة فهو جائز ولكن يجب مع الجواز مراعاة جانب الموصوف حتى لا يغتر ويعجب بنفسه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للمادح‏:‏ ‏(‏قطعت عنق صاحبك‏)‏ ‏.‏

 77- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن تقسيم الدين إلى قشور ولب، ‏(‏مثل اللحية‏)‏‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ تقسيم الدين إلى قشور ولب، تقسيم خاطئ، وباطل، الدين كله لب، وكله نافع للعبد، وكله يقربه لله - عز وجل - وكله يثاب عليه المرء، وكله ينتفع به المرء، بزيادة إيمانه وإخباته بربه - عز وجل - حتى المسائل المتعلقة باللباس والهيئات، وما أشبهها، كلها إذا فعلها الإنسان تقربا إلى الله- عز وجل - واتباعا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يثاب على ذلك، والقشور كما نعلم لا ينتفع بها، بل ترمي، وليس في الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما هذا شأنه، بل كل الشريعة الإسلامية لب ينتفع به المرء إذا اخلص النية لله، وأحسن في اتباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الذين يرجون هذه المقالة، أن يفكروا في الأمر تفكيرا جديا، حتى يعرفوا الحق والثواب، ثم عليهم أن يتبعوه، وأن يدعوا مثل هذه التعبيرات، صحيح أن الدين الإسلامي فيه أمور مهمة كبيرة وعظيمة، كأركان الإسلام الخمسة، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام‏)‏‏.‏ وفيه أشياء دون ذلك، لكنه ليس فيه قشور لا ينتفع بها الإنسان، بل يرميها ويطرحها‏.‏

وأما بالنسبة لمسألة اللحية‏:‏ فلا ريب أن إعفاءها عبادة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر به، وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عبادة يتقرب بها الإنسان إلى ربه، بامتثاله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، بل إنها من هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسائر إخوانه المرسلين، كما قال الله - تعالى - عن هارون‏:‏ إنه قال لموسى‏:‏ ‏{‏يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 94‏]‏ وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها، فإعفاؤها من العبادة، وليس من العادة، وليس من القشور كما يزعمه من يزعمه‏.‏

 78- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن عبارة ‏(‏كل عام وانتم بخير‏)‏‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ ‏(‏كل عام وأنتم بخير‏)‏ جائز إذا قصد به الدعاء بالخير‏.‏

 79- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم لعن الشيطان‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ الإنسان لم يؤمر بلعن الشيطان، وإنما أمر بالاستعانة منه كما قال الله - تعالى ـ ‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 36‏]‏‏.‏

فاجاب بقوله‏:‏ الإنسان لم يؤمن بلعن الشيطان، وإنما أمر الاستعاذة منه كما قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 36‏]‏‏.‏

 80- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن قول الإنسان متسخطا‏:‏ ‏(‏لو إني فعلت كذا لكان كذا‏)‏، أو يقول ‏(‏لعنه الله على المرض الذي أعاقني‏)‏‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ إذا قال‏:‏ ‏(‏لو فعلت كذا لكان كذا‏)‏ ندما وسخطا على القدر، فإن هذا محرم ولا يجوز للإنسان أن يقوله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل‏)‏‏.‏ وهذا هو الواجب على الإنسان أن يفعل المأمور وأن يستسلم للمقدور، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن‏.‏

وأما من يلعن المرض وما أصابه من فعل الله - عز وجل - فهذا من أعظم القبائح - والعياذ بالله - لأن لعنه للمرض الذي هو من تقدير الله - تعالى - بمنزلة سب الله - سبحانه وتعالى - فعلى من قال مثل هذه الكلمة أن يتوب إلى الله، وان يرجع إلى دينه، وأن يعلم أن المرض بتقدير الله، وأن ما أصابه من مصيبة فهو بما كسبت يده، وما ظلمه الله، ولكن كان هو الظالم لنفسه‏.‏

 81- وسئل‏:‏ عن قول ‏(‏لك الله‏)‏‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ لفظ ‏(‏لك الله‏)‏ الظاهر أنه من جنس ‏(‏لله درك‏)‏ وإذا كان من جنس هذا فإن هذا اللفظ جائز، ومستعمل عند أهل العلم وغيرهم، والأصل في هذا وشبهه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، والواجب التحرز عن التحريم فيما الأصل فيه الحل ‏.‏

 82- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن عبارة لم تسمح لي الظروف‏؟‏ أو لم يسمح لي الوقت‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ إن كان القصد انه لم يحصل وقت يتمكن فيه من المقصود فلا بأس به، وإن كان القصد أن للوقت تأثيرا فلا يجوز‏.‏

 83- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم استعمال لو‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ استعمال ‏(‏لو‏)‏ فيه تفصيل على الوجوه التالية‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أن يكون المراد بها مجرد الخبر فهذه لا بأس بها مثل أن يقول الإنسان لشخص لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يقصد بها التمني فهذه على حسب ما تمناه إن تمنى بها خيرا فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير ورجل آخر ليس عنده مال، قال لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هما في الأجر سواء‏)‏ والثاني رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير فقال رجل آخر‏:‏ لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هما في الوزر سواء‏)‏ فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد إن تمنى خيرا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ أن يراد بها التحسر على ما مضى فهذه منهي عنها، لأنها لا تفيد شيئا وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا فإن لو تفتح عمل الشيطان‏)‏‏.‏ وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يريد فكلمة ‏(‏لو‏)‏ في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهموما بل يريد منه أن يكون منشرح للصدر وأن يكون مسرورا طليق الوجه، وبه الله المؤمنين النقطة بقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 10‏]‏‏.‏ وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد المرء إلى أن يلتفت عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجنب الآخر، وإلا يحدث بها أحدًا لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله قال‏:‏ ‏(‏فإن ذلك لا يضره‏)‏‏.‏ والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائما في السرور، ودائما في الفرح ليكون متقبلا لما يأتيه من أوامر الشرع، لأن الرجل إذا كان في ندم ووهم وفي غم وحزن لا شك انه يضيف ذرعا بما يلقي عليه من أمور الشرع وغيرها، ولهذا يقول الله - تعالى - لرسوله دائما‏:‏ ‏{‏وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 70‏]‏‏.‏ ‏{‏لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وهذه النقطة بالذات تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون تجدهم يأثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة ولكن الذي ينبغي أن يتلقوا ذلك بحزم وقوة ونشاط فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم أنه لا يضرهم من خلافه‏.‏

 84- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن العبارة ‏(‏لو لا الله وفلان‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ قرن غير الله بالله في الأمور القدرية بما يفيد الاشتراك وعدم الفرق أمر لا يجوز، ففي المشيئة مثلا لا يجوز، ففي المشيئة مثلا لا يجوز أن تقول ‏(‏ما شاء الله وشئت‏)‏ لأن هذا قرن لمشيئة المخلوق بحرف يقتضي التسوية وهو نوع من الشرك، لكن لابد أن تأتي بـ ‏(‏ثم‏)‏ فتقول ‏(‏ما شاء الله ثم شئت‏)‏ كذلك أيضا إضافة الشيء إلى سببه مقرونا بالله بحرف يقتضي التسوية ممنوع فلا تقول ‏(‏لو لا الله وفلان أنقذني لغرقت‏)‏ فهذا حرام ولا يجوز لأنك جعلت السبب المخلوق مساويا للخالق السبب، وهذا نوع من الشرك، ولكن لا يجوز أن تضيف الشيء إلى سببه بدون قرن مع الله فتقول ‏(‏لو لا فلان لغرقت‏)‏ إذا كان السبب صحيحا وواقعا ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام في أبي طالب حين أخبر أن عليه نعلين يقلي منهما دماغه قال‏:‏ ‏(‏ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏)‏ فلم يقل لو لا الله ثم أنا مع أنه ما كان في هذه الحال من العذاب إلا بمشيئة الله، فإضافة الشيء إلى سببه المعلوم شرعا أو حسا جائز وإن لم يذكر معه الله - عز وعلا - وإضافته إلى الله وإلى سببه المعلوم شرعا أو حسا بحرف يقتضي التسوية ك ‏(‏ثم‏)‏ وإضافته إلى الله وإلى سببه المعلوم شرعا أو حسا بحرف يقتضي التسوية ك ‏(‏الواو‏)‏ حرام ونوع من الشرك، وإضافة الشيء إلى سبب موهوم غير معلوم حرام ولا يجوز وهو نوع من الشرك مثل العقد والتمائم وما أشبهها بإضافة الشيء إليها خطأ محض، ونوع من الشرك لأن إثبات سبب من الأسباب لم يجعله الله نوعا من الإشراك به، فكأنك أنت جعلت هذا الشيء سببا والله - تعالى - لم يجعله فلذلك صار نوعا من الشرك بهذا الاعتبار‏.‏

 85- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن قولهم ‏(‏المادة لا تفني ولا تزول ولم تخلق من عدم‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ القول بأن المادة لا تفني وأنها لم تخلق من عدم كفر ولا يمكن أن يقوله مؤمن، فكل شيء في السموات والأرض سوى الله فهو مخلوق من عدم كما قال - تعالى ـ ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وليس هناك شيء أذلي أبدي سوى الله‏.‏

وأما كونها لا تفني فإن عنى بذلك أن كل شيء لا يفني بذاته فهذا أيضا خطأ وليس بثواب ؛ لأن كل شيء موجود فهو قابل للفناء، وإن أراد به أن من مخلوقات ما لا يفني بإرادة الله فهذا حق، فالجنة لا تفني وما فيها من نعيم لا يفني، وأهل الجنة لا يفنون، وأهل النار لا يفنون‏.‏ لكن هذه الكلمة المطلقة ‏(‏ليس المادة لها أصل في الوجود وليس لها أصل في البقاء‏)‏ هذه على إطلاقها الكلمة إلحادية فتقول المادة مخلوقة من عدم، وكل شيء سوى الله فالأصل فيه العدم‏.‏

أما مسألة الفناء تقدم للتفصيل فيها‏.‏ والله الموفق‏.‏

 86- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم قول ‏(‏شاءت قدرة الله‏)‏، وإذا كان الجواب بعدمه فلماذا‏؟‏ مع أن الصفة تتبع موصوفها، والصفة لا تنفعك عن ذات الله‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ لا يصح أن نقول ‏(‏شاءت قدرة الله‏)‏؛ لأن المشيئة إرادة والقدرة معنى، والمعنى لا إرادة له وإنما الإرادة للمريد، والمشيئة للشائي ولكننا نقول‏:‏ اقتضت حكمة الله كذا وكذا، أو نقول عن الشيء إذا وقع هذه قدرة الله كما نقول هذا خلق الله، وأما إضافة أمر يقتضي الفعل الاختياري إلى القدرة فإن هذا لا يجوز‏.‏

وأما قول السائل ‏(‏إن الصفة تتبع الموصوف‏)‏ فنقول‏:‏ نعم، وكونها تابعة للموصوف تدل على أنه لا يمكن أن نسند إليها شيء يستقل به الموصوف، فهي دارجة على لسان كثير من الناس، يقول شاءت قدرة الله كذا وكذا، شاء القدر كذا وكذا، وهذا لا يجوز ؛ لأن القدر والقدرة أمران معنويان ولا مشيئة لمن هو قادر ولمن هو مقدر‏.‏

 87- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن هذه العبارة‏:‏ ‏(‏ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا‏)‏‏؟‏

فأجاب قائلا‏:‏ يقول النص‏:‏ ‏(‏ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا‏)‏، ويعنون ما توقعت وما ظننت أن يكون هكذا، وليس المعنى ما صدقت أن الله يفعل لعجزه عنه مثلا، فالمعنى أنه ما كان يقع في ذهنه هذا الأمر، هذا هو المراد بهذا التعبير، فالمعنى أذن صحيح لكن اللفظ فيها إيهام، وعلى هذا يكون تنجب هذا اللفظ أحسن لأنه موهم، ولكن التحريم صعب أن نقول حرام مع وضوح المعنى أنه لا يقصد به إلا ذلك‏.‏

 88- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن قول الآنيان إذا شاهد جنازة‏:‏ ‏(‏من المتوفي‏)‏ بالياء‏؟‏

فأجاب بقوله‏:‏ الأحسن أ ن يقال من المتوفى وإذا قال من المتوفي‏؟‏ فلها معنى في اللغة العربية، لأن هذا الرجل توفى حياته وأنهاها‏.‏